هل يُمكننا دمج الواقع والخيال في العمارة؟
قد لا تصدق هذا، ولكن أول ظهورٍ لمصطلح تقنية الواقع المُعَزز كان في خمسينيات القرن الماضي في أفلام الخيال العلمي، وحتى وقتٍ قريبٍ كانت تُصنف هذه التقنية كتقنيةٍ للمستقبل البعيد، لكنها أصبحت الآن حقيقةً وأصبحت متداولةً في مجالاتٍ كثيرة، وعما قريبٍ ستصبح مألوفةً وجزءًا لا يتجزأ من حياة العديد من المستخدمين اليومية .
ويمكن القول إن تقنية الواقع المُعَزز ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في تطوير مجالات الهندسة المعمارية، والتي تشمل: التصورات التصميمية، عمليات التصميم، عمليات البناء وأنظمة الإدارة الهندسية. و على سبيل المثال فإن الصناعات في مجال التصميم والهندسة المعمارية تشمل إنشاء كمٍ كبيرٍ من البيانات والمعلومات التي تحتاج لسهولة التداول والتواصل بين العديد من الأطراف وأحيانًا في مواقع مختلفة، لذلك فإن الحجم الهائل للمعلومات التصميمية، الهندسية والإدارية، يفتح المجال أمام تقنية الواقع المُعَزز من خلال إشراك الموظفين المعنيين في هذه الصناعات في بيئات عملٍ مُعَززة
ماهي (تقنية الواقع المُعَزز-Augmented reality technology)؟
تقنية الواقع المُعَزز (AR) هي تقنيةٌ حديثةٌ نسبيًا، تمثل تجربةً لبيئةٍ تُعزز العالم الواقعي بمحتوى يتم إنشاؤه بواسطة الحاسوب ودمجه بمواقع و/أو أنشطةٍ في الواقع، فتقنية الواقع المُعَزز تسمح للبيانات الرقمية بالاندماج بسلاسةٍ في إدراكنا الحسي، ونتيجةً لذلك يمكن لمستخدم هذه التقنية رؤية العالم الواقعي مُعَززًا بأشكال افتراضيةٍ يمكنه التفاعل معها مثلما يحدث في الحياة اليومية، وهناك العديد من المعلومات الرقمية التي يمكن إضافتها عدا الأشكال ثنائية وثلاثية الأبعاد، مثل الملفات الصوتية، الفيديو والنصوص، ويمكن حتى دمج وسائط تسمح باللمس والشم داخل هذه البيئات،.
ويمكن تعريفها على أنها تلك التقنية التي «تسمح للصور والرسوم الافتراضية التي يتم إنتاجها بواسطة الحاسوب بالاندماج تمامًا مع البيئة الواقعية بصورةٍ لحظية» .
من الواقع الافتراضي للواقع المُعَزز
سهلت تكنولوجيا الحاسوب إنتاج الصور ثلاثية الأبعاد بدايةً من الواجهات الرسومية الأولى، وفي الواقع، فقد سمحت قوة الحاسوب المادية بإنشاء بيئاتٍ مرئيةٍ معقدةٍ لجميع التطبيقات، مثل ألعاب الفيديو، و أنظمة المعلومات الجغرافية، بالإضافة إلى التصميم المعماري الصناعي والجرافيكي. وبالرغم من ذلك، فلِعرض هذه الرسوم «ثلاثية الأبعاد» للمستخدم نحتاج دائمًا لواجهةٍ حاسوبية، ومهما بدت لنا هذه الأشكال حقيقيةً، فدائمًا ما تدفعنا للعالم الافتراضي.
وكان أول من حاول التغلب على التناقض بين العالم الواقعي والافتراضي هما (ميلجرام وكيشينو -Milgram and Kishino) عام 1994 وذلك عن طريق وضع نموذجٍ للاستمرارية من الواقع للبيئة الافتراضية (شكل 1)، وهدَفَ هذا الاقتراح لدمج العناصر الواقعية والافتراضية في واقعٍ مختلطٍ يمَكن من الاستمرارية بين العالمين
من خلال هذا المفهوم بدأ تطوير مفهومٍ مشتقٍ من تطبيقات العالم الافتراضي في العالم الواقعي، بمنتصف تسعينات القرن الماضي، وذلك بدمج أشكالٍ وفراغاتٍ افتراضيةٍ بسناريوهاتٍ واقعية، وهذا ما نُعرفه الآن بالواقع المُعَزز، وهي التقنية التي تُمكننا من تصوير الأشكال ثلاثية الأبعاد من خلال أجهزةٍ خاصةٍ لإنتاج صور حقيقية. لذلك فإن الواقع المُعَزز (AR) يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالواقع الافتراضي (VR)، حيث تطور مفهوم الواقع المُعَزز كتطورٍ وامتدادٍ للواقع الافتراضي
تطبيقات تقنية الواقع المُعَزز في التصميم والعمارة
يتم النظر لتقنية الواقع المُعَزز في الآونة الأخيرة كنهجٍ جديدٍ للتصميم في الهندسة المعمارية، حيث يتم إجراء التجارب والأبحاث وتوجيهها لتطوير عملية التصميم المعماري، ومن أهم الأمثلة التي يتم تطبيقها في العمارة، هي عرض المباني ثلاثية الأبعاد داخل البيئة الواقعية وإمكانية التجول بداخلها، وأيضًا عرض المباني الأثرية الافتراضية داخل الموقع التاريخي الحقيقي كوسيلةٍ لتطوير المعرفة التراثية للعمارة والآثار
1-أشهر التطبيقات الأولية
1-1-نظام الاسكتش اليدوي- sketchand+ system
واحدة من أوائل تطبيقات الواقع المُعَزز في التصميم كانت لرسم الاسكتش، و (نظام الاسكتش اليدوي- The sketchand+ system) كان من النماذج التجريبية التي تم استخدامها في مراحل التصميم الأوليّ، والتي يمكن أن يكون لها تأثيرٌ كبيرٌ في جودة عملية التصميم المعماري بالكامل (صورة 1)،واستخدم هذا النموذج واجهةً للرسم اليدوي السريع، من خلال لوحٍ رقميٍّ مستعار، ومخرجاتٍ لردود أفعالٍ افتراضيةٍ، لتكوين إسكتشاتٍ ثلاثية الأبعاد. أظهر التطبيق أن التفاعل التعاونيّ الملموس مع النماذج يمكن أن يكون أكثر فاعليةً في مراحل أبحاث التصميم الأولي.
2-1-مشروع آرثر- ARTHUR project
يُعتبر مشروع آرثر من الأمثلة الملحوظة لأنظمة عرض الواقع المُعَزز على طاولاتٍ مخصصةٍ تُستخدم بشكلٍ محددٍ في مجال التخطيط العمراني، حيث يتم استخدام وسائل عرضٍ بصريةٍ كأدواتٍ لتعزيز التصميم المعماري والحضري، ويتضمن منظور قياسٍ للتصميم، من خلال النماذج المخرجة وكذلك حركة المشاة داخل التصميم.
3-1-الواقع المعزز بمساعدة الحاسوب –AR CAD
طور (داتسون ووانج -Dunston and Wang) نظامًا سُمي بالرسوم بمساعدة الحاسوب، باستخدام الواقع المُعَزز للتفاصيل الميكانيكية الفردية، يسمح هذا النظام للمستخدمين برؤية تصميم مجموعةٍ من المواسير الافتراضية، و تتم رؤيتها بواسطة (خوذة للعرض-HMD) وذلك من خلال علامات تتبعٍ لرؤيتها مجسدة داخل الواقع، فيتم تصميم النماذج داخل برنامج الاوتوكاد، ثم إرسالها لبرنامج واقعٍ معززٍ مخصصٍ لإظهارها بصورةٍ لحظية، ويمكن رؤية التصميم من عدة زوايا داخل الفراغ الواقعي(شكل 3).
2-أشهر التطبيقات الحالية
1-2-تطبيق أركي- ARki
يعد هذا التطبيق من تطبيقات الإظهار للنماذج المعمارية في الوقت الفعلي. فيتم دمج تقنية الواقع المُعزز عن طريق توفير نماذج ثلاثية الأبعاد بدرجاتٍ متفاوتةٍ من التفاعلية لكلٍ من أغراض التصميم والإظهار (صورة 4). يمكن استخدام التطبيق عن طريق أجهزة التشغيل (الاندرويد/الأي أو إس-iOS/Android) فهو ببساطةٍ يقوم بتركيب النماذج ثلاثية الأبعاد الافتراضية على السطح الواقعي، لكنه يوفر وظائف تفاعليةً أخرى مثل التحليل اللحظي للظلال واختيار الخامات، ويمكن للمستخدمين أيضًا التقاط وتسجيل فيديو وصورٍ للنماذج، مع إمكانية مشاركتها بسهولةٍ عن طريق البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي
2-2-تطبيق القصص المصورة الافتراضية- Storyboard VR
هي أداةٌ للإظهار والنمذجة المجانية يُمكن لكل من: المعماريين، و الفنانين و المبدعين الاستفادة منها، فهي تسمح للمستخدمين بتعديل النماذج ثلاثية الأبعاد من خلال سحبها، تحريكها، تغيير حجمها وترتيبها. حيث يمكن للمستخدم تصميم وتحميل رسومٍ وخرائط لبيئاتٍ من أدوات الرسوم المتوفرة داخل التطبيق، ثم صنع القصص المصورة الخاصة به (صورة 5). سهولة الاستخدام تتيح للمصممين مشاركة الأفكار والحصول على تعليقاتٍ بشكلٍ سريع، وأكثر ما يميز هذا التطبيق هو إمكانية العرض الافتراضي للصور كما يحدث في برنامج الباوربوينت
3-2-تطبيق الثنائي-Pair
هو تطبيقٌ يستخدم خصائص تقنيات الحاسوب والواقع المُعَزز، للسماح للمستخدم بسحب وإسقاط نماذج ثلاثية الأبعاد لقطع أثاثٍ داخل الفراغات باستخدام أجهزة الأيفون (صورة 6). يحتوي التطبيق على أكثر من مئتي نموذجٍ لمنتجات أثاثٍ منزليٍّ ومكتبيٍّ لأكثر من خمسمائة مُصنعٍ، وتتم إضافة منتجاتٍ جديدةٍ يوميًا. وأكثر ما يميز هذا التطبيق هو إمكانية السير بحريةٍ في الفراغ الواقعي وحول النموذج الافتراضي
4-2-تطبيق الدوران حول العالم-PIVOT the World
عبارةٌ عن تطبيق هاتفٍ جوالٍ ومنصةٍ تستند إلى الويب. تم إنشاء هذا التطبيق من قبل أسماء جابر وسامي جايتان في جامعة هارفارد، وكان الهدف الأصلي للتطبيق هو توفير منصةٍ للحفاظ على المباني والأماكن التاريخية. يمكن للمستخدم رؤية ماضي المواقع والمباني الحقيقية من خلال بياناتٍ وصورٍ يتم عرضها من خلال نظام (النقط المحورية-PIVOT Point) والتي تسمح بتتبع المباني والأماكن التاريخية.
التحديات والمشكلات التي تواجه تقنية الوقع المُعَزز في العمارة
1-الحصول على المعلومات في المجال الصناعي
وذلك لكثرة المعلومات في عمليات التصميم والبناء أثناء تشييد أي مبنى، ويظهر ذلك في أعمال الكهرباء، التكييف، الميكانيكا والبنية التحتية، فيتم حفظ البيانات في الغالب بصورة رسومٍ ثنائية الأبعاد، مما يجعل عملية بناء نماذج تصلح للواقع المُعَزز صعبةً ومعقدة.
2-تجهيز النماذج المحاكية للواقع
فمن أجل إضافة البيانات الرقمية للعالم الواقعي، لابد من الحصول على معلوماتٍ وقياساتٍ دقيقةٍ لأبعاد هذا العالم، فتطبيق طريقةٍ منهجيةٍ ودقيقةٍ لإنشاء النماذج المحاكية للواقع، يعتبر واحدًا من أهم التحديات التي تواجه الواقع المعزز في مجال العمارة والتصميم.
3- القيود التكنولوجية
تبقى القيود التكنولوجية العقبة الرئيسية أمام تطور تقنية الواقع المُعَزز، فعلى سبيل المثال، عند العمل بهذه التقنية نحتاج إلى متتبعاتٍ دقيقةٍ للغاية، لأنه في حالة وقوع خطأ طفيف في التتبع، يمكن أن نلاحظ النتائج في عدم التوافق بين النماذج الافتراضية والواقعية.
من العقبات الأخرى أيضا:
- الحاجة لإنشاء أجهزة استشعارٍ ومتتبعاتٍ طويلة المدى لتشمل كل ما يحيط بالمستخدم.
- تقديم جودةٍ عاليةٍ في الزمن الفعلي من الأمور الضرورية لنجاح أنظمة الواقع المعزز.
- شعور المستخدم بالتشويش نتيجةً لتداخل النماذج الواقعية والافتراضية بشكل غير منطقي أحيانًا، فذلك يؤثر على شعور المستخدم، حيث يتم البحث عن حلٍ لهذه المشكلة من قبل مجتمع البحث العلمي لعلوم الحاسب والصحة النفسية.
مستقبل تقنية الواقع المُعَزز
1-الأرض التفاعلية –The enabled landscape
يقول تيم كوك عن الفكرة: «ما سيحدث أو ما يمكن أن يحدث، أعتقد أنه سيكون معقدًا وعميقًا» فمن خلال هذا التطبيق للواقع المُعَزز يمكن التفاعل مع كل ما يحيط بنا، وسيكون متاحًا للمستخدم صناعة عالمه ورؤيته الخاصة. الشكل(4) يوضح تصورًا لما سيكون عليه العالم في المستقبل من خلال تطور تكنولوجيا الواقع المُعَزز.
الفكرة تمثل وسيلةً جديدةً لنقل وتداول معرفة البشر، فقد تم التفاعل مع الأرض فيما سبق عبر وسائل مثل الحجر، و الخشب، و البردي و الورق. وفي الوقت الحالي فإن شاشات الكمبيوتر أحادية الاتجاه تعتبر قفزةً غير عاديةٍ في تاريخ البشرية، فشاشة عرضٍ ثنائيةٍ تعمل في الوقت الفعلي، يمكنها إحداث حركةٍ تكتونيةٍ في مجال الاتصال
2-نظام الرؤية-Sight
أحد الاتجاهات المحتملة لتطوير تكنولوجيا الواقع المعزز تم تقديمها في فيلم قصير (الفيديو أدناه)، يصور ما يمكن لمستقبل الواقع الافتراضي أن يفعل في حياة البشر اليومية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق