الخرسانة المُوصِّلة.. لطُرقٍ خالية مِن الثلوج (الخرسانة المُذيبة للثلوج)
مِن كل أنواع الخرسانات، هل سَمعْت عن هذا النوع مِن الخرسانة مِن قَبل؟ وكيف يكون؟ حسنًا، لو لَمْ تكُنْ سَمِعتُ بها، يُمكنك التفكير في تكوينها قليلًا وتكملة هذا المقال…
عند حدوث العواصف الثلجية، يتراكم الثلج على الطريق وجوانبه فيتسبب ذلك في تعطيل حركة المرور. عادة ما يَتِمْ استخدام الطُرق التقليدية لإذابة الثلج المتراكم، مثل ملح الطعام الذي يتسبب في خفض نقطة تجمُد الماء ويؤدي إلى ذوبانه (يتجمد الماء عادةً عند درجة 32 فهرنهايت ولكن عندما تضيف المِلح تنخفض إلى 20 درجة)(1)، لكن هذه الطريقة تُكلّف أكثر من 22 مليون طن مِن الملح كل عام! أحيانًا يتم إذابة الثلج باستخدام مواد كيميائية، أو باستخدام أسلوب بدائي للغاية وهو التجريف كما هو مُوضح بالصورة.
وبسبب استخدام هذه الطُرق، خاصةً ملح الطعام، ظهر تلوث بالبيئة المحيطة مِن نباتات وحياة مائية ومياه جوفية. فإذا زادت تركيزات الكلوريد عن 800 (جزء في المليون-ppm) يسبب ضررًا لمُعظم الكائنات المائية، فقد وجدت الدراسات أن أيون الكلوريد الموجود في ملح الطعام (كلوريد الصوديوم) يُمكن أن يؤثر سلبًا على معدلات بقاء القشريات والبرمائيات على قيد الحياة، مِثل السلمندر والضفادع والأسماك والنباتات والكائنات الحية الأخرى(2).
لذلك كان من الطبيعي التفكير في وسيلة أُخرى للحد مِن هذا التلوث، وتكون أيضًا سريعة التأثير، وكان الحل في الخرسانة المُوصلة.
في الحقيقة، تُكلّف الخرسانة المُوصلة مرتين ونصف تكلفة الخرسانة التقليدية، لَكن بعد الدراسة وعمل أكثر مِن تجرُبة على أكثر مِن نموذج، تم التوصل إلى مواد مُوصلة كهربيًا ذات متانة وقوة ميكانيكية على المدى الطويل دون تكلفة مرتفعة(3).
قَامَ الدكتور(كريستوفر توان-Christopher Tuan) أستاذ الهندسة المدنية بجامعة نبراسكا وفريقُه -(ليم نجوين-Lim Nguyen) أستاذ مُساعد في الهندسة الكهربية والحاسب، و(بينغ تشن-Bing Chen) أستاذ الهندسة الكهربية والحاسب، و(شريف يحي-Sherif Yehia) أستاذ بالجامعة الأمريكية بالشارقة والحاصل على الدكتوراه في الهندسة المدنية بجامعة نبراسكا- بعمل دراسة لتطوير الخرسانة لجعلها مضادة للثلج ومُذيبة له عن طريق التوصيلية الكهربية(4).
وهذه الخرسانة المُوصلة عبارة عن خليط أسمنتي مُضاف إليه مكونات مُوصلة للكهرباء للحُصول على توصيلية كهربية عالية ومُستقرة مِثل قُصاصات الفُلاذ (الرايش أو نشارة الحديد) والكربون والجرافيت والألياف الفولاذية بدلًا مِن الحجر الجيري أو الرمل. هذه الخرسانة تؤدي الغرض المطلوب، عكس استخدام المِلح والمواد الكيميائية التي تؤدي إلى تآكُل خرسانة الطريق والتلوث الذي ذكرناه سابقًا(4).
تتم التوصيلية الكهربية خلال الخرسانة بطريقتين:
1- (كهربيًا-Electrolytic): عن طريق حركة الأيونات في الخرسانة الطازجة (المصبوبة في الحال) أثناء تفاعل الماء مع حبيبات الأسمنت، والمعروف كيميائيًا بعملية الإماهة.
2- (إلكترونيًا-Electronic): عن طريق حركة الإلكترونات الحُرة في الوسط المُوصِّل. وهذه في حالة تصلُد الخرسانة ذات الرطوبة القليلة، لذلك يجب إضافة الألياف الفولاذية أو غيرها من الألياف والجسيمات الموصلة إلى الخلطة الخرسانية لتحقيق التوصيل الكهربي (5).
هناك نوعان أو جُزئان مِن الخلط:
الجُزء الأول: الخرسانة ممزوجة بالألياف الفُولاذية والرايش.
تَمْ تطويرها عام 1998، وفي هذه الخلطة يتم إضافة جزيئات الرايش بأحجامها المختلفة والألياف الفُولاذية بأبعادها المتغيرة لتوفير المواد المُوصلة.
وقد تمَّ القيام بأكثر من 150 مُحاولة لتحسين النِسَبْ الحجمية للإضافات وتوزيعها بشكل منتظم في الخلطة لتحقيق الأداء الأمثل، وكانت معايير التقييم فيها هي: الخواص الميكانيكية (الضغط وقوة الكسر) وأداء البلاطة المُسخنة وتأثير حجم الإضافات والمقاومة الكهربية، وهذا التقييم طبقًا لمواصفات (الآشتو-AASHTO) و(الجمعية الأمريكية لاختبار المواد-ASTM). سوف نجد أن أداء البلاطة المُسخنة قبل وأثناء العاصفة أكثر كفاءة من المُسخنة بعد تراكم الثلوج، وأن مُعدل تسخين الخرسانة يعتمد على كمية التيار المار بها، والذي يعتمد على درجة الحرارة المُحيطة والرطوبة وسُرعة الرياح.
الجُزء الثاني الخرسانة ممزوجة بالألياف الفُولاذية ومنتجات الكربون.
خلال البحث والتطوير، لوحِظ العديد من العيوب لاستخدام الرايش في الخلطة. أولًا، لا تتوافر مصادر كثيرة للرايش. ثانيًا، يتم الحصول عليه من الصناعات المعدنية وتكون عادةً ملوثة بالشحوم والزيوت وتتطلب التنظيف. ثالثًا، الرايش يُمثِّل خطرًا على السلامة عند التعامل معه ويتطلب أيضًا خلط مُخصص لضمان توزيعه بالكامل على الخلطة.
في 2001، أُجريت تجربة تستخدم مُنتجات الجرافيت والكربون بدلًا من الرايش. وفي التقييم التجريبي الأوَّلي، تم عمل عشر خلطات تجريبية وإضافة سبعة من منتجات الكربون والجرافيت إليها. كانت معايير التقييم لكُل خلطة تجريبية هي: التشغيلية (قابليتها للتشكيل)، مقاومة الضغط ومُعدَّل التسخين والمقاومة الكهربية.
احتوت جميع الخلطات على 1.5% من الألياف الفولاذية لكل وحدة حجم، بالإضافة إلى الجرافيت والكربون المُستخدم في التوصيلية، والتي تبلغ نسبتها إلى الخرسانة الموصلة 25%.
يُمكننا تلخيص المقال في الآتي: بعد تصميم الخلطة الخرسانية المُناسبة لمعايير التقييم، تم عمل تجارب مضادة لتكوُّن الثلج وتذويبه أثناء فصول الشتاء في الفترة من 1998 لـ 2001.
في التجارب المضادة لتكوُّن الثلج: تُسخن طبقات الخرسانة عن طريق التيار الكهربي الخارج من مصدر الطاقة، ويتم ذلك قبل وأثناء العاصفة.
أما بالنسبة لتذويب الثلج: يتم تسخين طبقات الخرسانة أثناء العاصفة فقط.
وهذه التجارب أُجريت لتقييم مُعدل تسخين الخرسانة المُوصلة.
في عام 2002، تم استخدام هذه الخرسانة المُوصلة في جسر (روكا سبِر-Roca Spur) ويُعد أول جسر في العالم يستخدم هذه التكنولوجيا المُبتكرة لتذويب الثلج(6).
وفي مارس عام 2016، قام فريق البحث بعمل اختبار، لعرض أداء الخرسانة الموصلة على إدارة الطيران الفيدرالي. وقال (توان-Tuan) إنه إذا كانت النتيجة مُرضِية، فإن الإدارة سوف ترفع مُستوى الاختبارات عن طريق استخدام التكنولوجيا في رصيف الإقلاع بالمطار الرئيسي بالولايات المتحدة(7).
ويمكن لهذه الخرسانة أن تُستخدَم في تقاطُعات حركة المرور وسلالم الخروج والأرصفة أيضًا.
بهذا نجد أنها فِكرة مدروُسة جيدًا، وذلك لأن (توان-Tuan) صرَّح بأن لديه فناء مصنُوع من الخرسانة الموصلة فقد قام بتجريبها مِن قَبل.
في النهاية، بعد ذِكر تكوين هذا النوع من الخرسانة وطريقة صبّه وتجفيفه، يجب معرفة أوقات العَواصِف وقَبل العاصفة بيومٍ، ليتم توصيل الكهرباء الكهرباء فتسخن الخرسانة وتحدُثْ التوصيلية فيذوب الثلج على الفور، فتستمر حركة المرور دون تعطيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق