«الحفر الكبير»: أكثر مشروعات النقل تحديًا في التاريخ الأمريكيّ - Esquisse

احدث المواضيع

الى من يبحث عن التميز نوفر لكم مصدر دائم ومجاني للدروس والكتب والملحقات والتقارير بما يتعلق بالهندسة المعمارية والإنشائية والديكور والجرافيك .

Post Top Ad

Post Top Ad

2023/01/15

«الحفر الكبير»: أكثر مشروعات النقل تحديًا في التاريخ الأمريكيّ

 

«الحفر الكبير»: أكثر مشروعات النقل تحديًا في التاريخ الأمريكيّ











مقدمة

نحن هنا في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية، مع واحدة من المشكلات المرورية العالمية؛ والتي تسمى: «الشريان المركزي». كان هذا الشريان طريقًا رئيسيًا يمر عبر وسط المدينة، وتم افتتاحه عام 1959م ليستوعب حوالي 75000 راكب في اليوم الواحد. ولكن في أوائل التسعينيات كان عدد المستخدمين لهذا الطريق يُقدَّر بحوالي 200000 راكب يوميًا؛ ما جعله واحدًا من أكثر الطرق السريعة ازدحامًا في الولايات المتحدة بأكملها.

لندرك حجم المشكلة، ربما علينا أن نتخيل كيف زدات المدة الزمنية للزحف المروري لتصل لما يزيد عن 10 ساعات يوميًا! كما بلغ معدل الحوادث 4 أضعاف المتوسط المحلي للولايات المتحدة!

كانت هذه الفوضى المرورية عبئًا كبيرًا على الاقتصاد المحلي وعلى جودة المعيشة في مدينة بوسطن، بل في إقليم نيو إنجلاند (New England) بكامله. لهذه الأسباب؛ كان لزامًا على السلطات السعي لإيجاد حل بديل لهذه الأزمة، وقد تمثل الحل وقتها في واحد من أضخم مشروعات النقل وأكثرها تحديًا في تاريخ الولايات المتحدة، ألا وهو: «الحفر الكبير» أو «بيغ ديج» (Big Dig)، فلنتعرف أكثر على هذا المشروع العملاق.




الشريان المركزي عام 1991 قبل مشروع «الحفر الكبير»



ما هو «الحفر الكبير»؟

يعتبر «الحفر الكبير» أو «بيغ ديج» -للكثيرين- واحدًا من أكثر مفاخر الهندسة تعقيدًا، وأغلاها ثمنًا في التاريخ الأمريكي، كما يعتبر حقيقةً عدّة مشاريع في مشروع واحد، حيث يشتمل على كباري وأنفاق جديدة من نوعها. تم بدء التخطيط للمشروع في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، ثم تم البدء في العمل أوائل التسعينيات، وتم الانتهاء منه منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتحديدًا عام 2007، وبتكلفةٍ أكبر بكثير من التكلفة المقدرة.

رسميًا، يسمى مشروع «الحفر الكبير»: «مشروع الشريان المركزي/النفق» (Central Artery/Tunnel) (CA/T). تضمن المشروع إعادة توجيه الشريان المركزي (I-93) عبر المدينة إلى نفق «تيب أونيل» الذي يبلغ طوله 2,4 كم. كما يشمل إنشاء نفق «تيد ويليامز» والذي بدوره يقوم بعمل امتداد للطريق (I-90) ليصلَ إلى مطار «لوجان» الدولي، وكوبري «زاكم» التذكاري الذي يمر فوق نهر «تشارلز»، وحديقة «روز كينيدي». وقد شملت الخطط المبدئية للمشروع -أيضًا- عمل وصلة سكك حديدية بين محطتي القطار الرئيسيّتين في مدينة بوسطن، ولكن ذلك لم يحدث.

كان الطول الكامل للمشروع حوالي 12,5 كم، وبلغ الطول الكامل للأنفاق حوالي نصف هذه القيمة. واشتمل المشروع على 4 تحويلات طرق رئيسية لربط الطرق الجديدة بنظام الطرق الموجود بالفعل.





صورة توضح شبكة طرق مدينة «بوسطن» قبل المشروع وبعده.


تحديات المشروع

كان الطول الكامل للمشروع  حوالي 12,5 كم، وبلغ الطول الكامل للأنفاق حوالي نصف هذه القيمة. وقد كان الانتقال بعملية النقل من فوق أرضية إلى تحت أرضية أحد التحديات الرئيسية التي واجهت المشروع، وجعلته أحد أكثر مشروعات البنية التحتية صعوبةً -في الولايات المتحدة- وقتها. إضافة إلى ذلك؛ اشتمل المشروع على 4 تحويلات طرق رئيسيّة لربط الطرق الجديدة بنظام الطرق الموجود بالفعل. كل ذلك أدى إلى ظهور تحدٍ جديدٍ، وهو كيفية تنفيذه بهذه الكيفية في وسط مدينة بوسطن بدون تعطيل حركة المدينة، وقد كان هذا الأمر أحد أهم أولويات المشروع.

ويعد مشروع «الحفر الكبير» -كما ذكرنا- أغلى مشروع نقل تم تنفيذه في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وقد مر هذا المشروع بالعديد من الأزمات، والتي اشتملت على زيادة في تكاليف الإنشاء، وتأخير توقيتات التنفيذ، وحدوث كثير من تسريبات المياه، والعديد من المشاكل مما لا يتسع المجال لحصرها. لقد كان من المخطط إنهاء هذا المشروع الضخم في أواخر التسعينيات، كما كانت الميزانية المقدرة لتنفيذ المشروع حوالي 3 مليارات دولار؛ ولكن -وعلى عكس المتوقع- تم الانتهاء من المشروع عام 2007، وتكاليف تنفيذه تضخَّمت بشكل هائل كما سيأتي ذكره لاحقًا.

وتحمل مشروع «الحفر الكبير» -أيضًا- المسؤولية في بعض الوفيات، والتي تمثلت إحداها في مقتل سائقة دراجة بخارية بشكل مؤسف للغاية. وقد حدث ذلك عام 2006، عندما انهار سقف النفق الذي يربط المدينة بمطار «لوجان» الدولي؛ مما أدى إلى وقوع 4 بلاطات خرسانية كبيرة -تزن الواحدة منها 3 أطنان- فوق تلك السيدة.

نتيجة لما سبق، تم تقدير التكلفة الإجمالية للمشروع أنها ستبلغ في النهاية حوالي 22 مليار دولار -شاملةً الفوائد- ولن يتم دفعها كاملة حتى عام 2038. وقد تحمل التحالف الرئيسي للمشروع الممثَّل في شركتي: بكتل (Bechtel) وبارسونز (Parsons) دفع مبلغ 407 مليون دولار كتعويض؛ بسبب الإدارة السيئة للمشروع، والوفيات المسببة، ومشاكل التنفيذ: مثل تسربات المياه، ومشاكل التصميم الأخرى. وتحمل بعض المقاولين الآخرين -ممن اشتركوا في تنفيذ الأعمال- مبلغ 51 مليون دولار أيضًا كتعويض لما حدث.




صورة توضح تسرب المياه عبر نفق الشريان المركزي عام 2004



لأيّ حدٍّ كان مشروع «الحفر الكبير» مكلفًا؟

طبقًا للمصادر المحليّة مثل: إذاعة (Boston’s WBUR) العامة، بلغت التكلفة الإجمالية لتنفيذ المشروع حوالي 24.3 مليار دولار؛ مما جعله واحدًا من أغلى مشروعات الطرق في تاريخ الولايات المتحدة. ولتقدير التكاليف الباهظة لتنفيذ هذا المشروع، نستعرض هنا بعض المشاريع الضخمة الأخرى مع تكلفة إنشائها:

1- تلسكوب هابل الفضائي (Hubble Space Telescope) – التكلفة المقدرة: 4,5-6 مليار دولار.

2- المسارع النووي الكبير (Large Hadron Collider) – التكلفة المقدرة: 6 مليار دولار.

3- تطوير الطائرة (Airbus A380) – التكلفة المقدرة: 15 مليار دولار.

4- نفق القناة (Eurotunnel’s Channel Tunnel) – التكلفة المقدرة: 21 مليار دولار.

7 حقائق عن مشروع «الحفر الكبير»

نستعرض هنا 7 حقائق مثيرة عن هذا المشروع العملاق:

1- تم إنشاء مشروع «الحفر الكبير» للتخفيف من مشاكل التكدُّس المروري بطريق الشريان المركزي (I-93) بمدينة بوسطن، وتم تنفيذه -أيضًا- للمساعدة في تحسين البيئة المحليّة ودعم النموّ الاقتصادي بالمدينة، والولاية بأكملها.

2- بدأ التخطيط للمشروع عام 1982م، مع توقعات بالانتهاء بين منتصف إلى أواخر التسعينيات، ولكن تم تجاوز هذه التوقعات، وحدوث الكثير من المشكلات أثناء التنفيذ، مثل: موت سائقة الدراجة البخارية. وقد تسبب كل ذلك في تضخُّم ميزانية المشروع أضعاف القيمة التقديرية، وتأخُّر الانتهاء حتى عام 2007.

3- تطلَّب المشروع عملية تحويل مرافق ضخمة، والتي اشتملت على: تحويل حوالي 46,7 كم من خطوط المرافق، بالإضافة لتركيب حوالي 8047 كم من خطوط الألياف الضوئية، وحوالي 321868,8 كم من كابلات التليفونات النحاسية.

4- استهلك الجسر المُدعَّم بالكوابيل (Cable-stayed bridge) المار فوق نهر «تشارلز» حوالي 2929 كم من أسلاك الصلب.

5- ما يقرب من 150 رافعة تم استخدامهم في هذا المشروع، وحوالي 25% من أعمال التشييد تم تنفيذها في الخمس سنوات الأولى، ووصلت نسبة التنفيذ إلى 94% عام 2004.

6- بلغت أقصى معدلات التشييد حوالي 3 مليون دولار قيمة أعمال في اليوم الواحد، وبلغ أقصى عدد من العمالة حوالي 5000 عامل.

7- اشتمل مشروع «الحفر الكبير» على ما لا يقل عن 118 عقد تشييد منفصل، بينهم 26 عقد يضم الحفر الجيوتقني فقط.

إنجازات المشروع

أدى المشروع إلى تحسينات كبيرة في أنظمة النقل، وتقليل التأخيرات بسبب الازدحامات المرورية؛ حيث انخفض إجمالي ساعات سير المركبات على الطرق السريعة بنسبة 62% بين عامي 1995 و 2003. هذه التحسينات قامت بتوفير مقداره حوالي 168 مليون دولار أمريكي في السنة بسبب توفير الوقت وتكاليف الانتقالات. انعكست هذه التحسينات أيضًا على جودة المعيشة؛ حيث لُوحظ انخفاضٌ في مستويات أول أكسيد الكربون بالمدينة بنسبة 12%.

مما سبق، يتبين لنا أهمية مشروع «الحفر الكبير» في حل المشكلات المرورية والبيئية، وكيف أن له جدوى اقتصادية كبيرة انعكست على تحسين ظروف المعيشة بالمدينة، مدينة بوسطن، بولاية ماساتشوتس التي كانت في وقتٍ ما من أكثر المدن ازدحامًا في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تغيرت بسبب مشروع النقل الأكثر تحديًا في التاريخ الأمريكي؛ مشروع «الحفر الكبير».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad