ماذا نعني بكلمة “الاستدامة” في العمارة؟
يقول المعماري البريطاني الشهير (نورمان فوستر): «كمهندس معماري، فأنت تقوم بتصميم للحاضر، مع معرفة الماضي، من أجل مستقبل غير معروف أساسًا.»، إذًا ما علاقة تلك المقولة ب الاستدامة في قاموس العمارة؟
تآكل و تهتك المحيط الحيوي للأرض، الاحتباس الحراري، تلوث الماء، الهواء و التربة، الزيادة السُكانية، المشاكل الصحية والاجتماعية، وأخيرًا ظهور ” متلازمة المبنى المريض-sick-building syndrome ” هذا المرض الذي يسبب للعاملين في أماكن العمل الصداع، ومشاكل في الجهاز التفسي، والسبب وجود عوامل غير صحية أو وجود ضغط في محيط العمل مثل مثلًا قلة التهوية في المكان !.
هذه المشاكل التي أصبحت تغزو عالمنا بلا رحمة، بل وتزداد يومًا عن يوم، – ونحن سبب أساسي فيها -، هذه المشاكل يمكن القول أنّ أحد أسبابها النموذج الحضاري القائم على التكنولوجيا المبتكرة مع استخدام، واستهلاك قدر كبير من الطاقة.
حقوق الطبيعة-مبنى صديق لها
لم تقف ” العمارة المُستدامة ” مكتوفة الأيدي أمام هذه المشاكل، بل رأت أنّ للطبيعة حقوق يجب الحفاظ عليها.
خلق بيئة مُستدامة صحية، تستجيب للاحتياجات البيئية، تستخدم الحل الأمثل في ترشيد استهلاك الطاقة من غير الاستخدام المُفرط في المصادر الطبيعية، وينصح دائمًا باستخدام الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.
اختيار حلول خاصة بالموقع، والوظيفة، والإنشاء تتناسب مع العوامل المحلية مثل الطبوغرافيا، المناخ المحلي، مكونات التُربة، الماء، والنباتات، والحيوانات في تلك المنطقة.
استخدام المواد الصديقة للبيئة، وأخذ النظريات الإنشائية البيئية في عين الاعتبار في النظام الإنشائي للمبنى، ونظام سباكته، وأي طرق بديلة في الإنشاء.
تحقيق التهوية، الإضاءة الطبيعة، واستخدام مواد صديقة للبيئة يجب أن يلاحظ بشكل جيد في المبنى.
كل ما سبق من أهم المبادئ التي تحقق الاستدامة، وتحفظ حقوق الطبيعة.
يمكن القول الآن أنّ الاعتماد على الطبيعة يجب أن يقل مع استخدام الحلول الأمثل و الأفضل، يدعمها تنظيم قانوني ومالي، مواد حديثة، ومنتجات صديقة للبيئة، وعلى الأقل-أقل ما يمكن تقديمه-التقليل من العقلية المُستهلكة.
من حق البيئة مبنى صديق لها يحترمها، مبنى يوظف الحلول الوظيفية، والتقنية مع وظيفة المبنى في صورة متناغمة منسجمة مع البيئة.
في الماضي ..
لا عَجب أنّك حين تقرأ في الحضارات القديمة، وتجد أنهم كانوا يحققون هذا المبدأ. المباني الصديقة للبيئة كانت موجودة منذ الماضي، وتحقيق مبدأ الاستدامة كان موجودًا منذ الماضي أيضًا، حيث استخدموا في بنائهم المواد المحلية المتوفرة لديهم، واهتموا بتوفر الإضاءة الطبيعية، والتهوية، هم كانوا يحفظون حقوق البيئة، وحقوق أجيال قادمة.
لنعد بذاكرتنا إلى الحضارة والعمارة المصرية القديمة، نجد أنّ المصريين القُدماء استخدموا من معابدهم ومقابرهم إلى مساكنهم مواد البناء المحلية المُتاحة لهم. استخدموا الطين؛ تأقلُمًا مع غياب المطر ووفرة الشمس ، واستخدموا كذلك الأحجار، وتأقلُمًا مع ندرة الأخشاب لديهم، فاستعملوها في وظائف معينة كصنع الأبواب، وقفل مصاريع النوافذ.
عمارة أخرى كان واضحًا جدًا فيها تحقيق هذا المبدأ، وهي العمارة الإسلامية. تميزت العمارة الإسلامية في مساكنها بوجود فناء داخلي، الغرض من هذا الفناء الحماية من عوامل المناخ، تحقيق الإضاءة الطبيعية، تحقيق الخصوصية، بالإضافة إلى التهوية (عن طريق زراعة هذا الفناء، ويمكن وضع نوافير مائية؛ مما يجعلها مُظللة، وهواؤها منعش ينتقل إلى الغرف التي حولها).
(الشانشيل-Aelchenachel) أيضًا في العمارة الإسلامية، تظهر فؤائدها في تحقيق الإضاءة والتهوية الطبيعية وكذلك الظلال. تُصنع من مواد محلية تتلاءم مع بيئة المنطقة التي تتواجد فيها. هي عبارة عن تغطية على شكل أسقف منحنية، وحوائط سميكة من الحجر أو الطين؛ لأجل إحداث عزل حراري يهدف إلى بقاء المنزل منعش بارد خلال اليوم الحار.
إذًا العمارة المُعاصرة أمام تحديات عديدة، فهل تستطيع ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق